مذكرات شخصية (3-3): أنا والسعودية وموسكو

WhatsApp Image 2018-07-14 at 8.27.36 PMاستيقضنا ونحن خارج البطولة، لم نكن لوحدنا بل شاركتنا المنتخبات العربية مصر والمغرب ولحقتنا تونس بعد خماسية بلجيكا، لذا أصبح تركيزي واهتمامي منصب على حضور المباريات الكبرى، لذا تجددت رغبتي بحضور أي مواجهة قوية في كأس العالم، للبرازيل أو للأرجنتين أو لألمانيا، لا يهمني أي منتخب منها، فقط لأعيش تجربة كروية جميلة، لذا أخذت أقلب الموقع الإلكتروني لـ الفيفا لأقتني احدى التذاكر، ولكن وللأسف تفاجأت بكونها مباعة بالكامل، فلم أجد حتى لمواجهات أقل أهمية!

الغريب في الموضوع، أثناء مشاهدة المباريات على شاشة التلفاز أجدها وهي شبه خالية من الجماهير! وكي لا أبالغ لم تنتصف مقاعد الحضور، لذا أعتقد.. بل أجزم تماما أن السوق السوداء كان له سطوته الكبرى والمتحكم الأقوى في سوق التذاكر، وخصوصا أنه لا يتم إجراء المطابقة بين اسم المشجع والتذكرة عند دخول الملاعب كما كان متبعا في نسخ سابقة لكأس العالم.

أخيرا وجدت موقع -غير رسمي- يبيع تذكرة لمواجهة البرازيل وكوستاريكا بمدينة سانت بطرسبيرغ وبمبلغ يقارب الـ 1800 ريال، علما أنني وجدت مواجهات أخرى مقاربة لتلك القيمة ولكن بسبب أن اغلب المدن الـ10 التي تقام عليها منافسات كأس العالم تبعد عن موسكو بالقطار حوالي 10 ساعات وبعضها يتجاوز الـ 15 ساعة! مما شكل ذلك عائقا إضافيا لأغلب الجماهير التي ترغب بحضور المباريات، بينما المواجهة التي اخترتها يتوفر لها قطارا سريعا يختصر الوقت لقرابة الثلاثة ساعات تقريبا ـ إضافة إلى أن المباراة تقام في مدينة كنت أحلم بزيارتها يوما ما.

وفي خضم إجراءات الحجوزات من سكن وتنقلات -ولحظي السيء- بيعت تلك التذكرة المتوفرة، بينما أقل تذكرة متوفرة لهذه المباراة تتجاوز تكلفتها 3000 ريال، لذا ألغيت الفكرة تماما، واستبدلتها بزيارة داخل ضواحي موسكو الضخمة والضخمة جدا، من متاحف ومباني شاهقة وقصور وقلاع وحدائق على مد البصر! والإطلاع على الإرث الثقافي العظيم للإمبراطورية السوفيتية، لذا لن أفوت فرصة ذهبية كهذه.

منطقة “أربات” وهي تسمية عربية كم تقول بعض الروايات، وتحوي شارع جميل حيوي مكتظ بالسياح، وفي الجانب الآخر من المنطقة طريق حديث بمطاعم ومقاهي راقية يطلق عليه أحد الزملاء “شارع التحلية” 🙂 ، وجدت فيه متحفا لكأس العالم، ولفت انتباهي طريقة تصميمه الرائعة والجميلة والتفاعلية بالرغم من أن مساحته ليست بذات الحجم إلا أنه يحوي على معلومات واسعة جدا، وشاهدت لقطة من هدف سعيد العويران في بلجيكا وهي التي اشعرتني بالفخر وتكاد تكون هي أبرز ماحدث لنا في مشاركاتنا الخمس.

في المساء أبلغونا الزملاء المنظمين ببرنامج حضور مباراة المنتخب الأخيرة في مدينة فولجوجراد، وهو على غرار مواجهة السعودية والأوروغواي حيث سيكون السفر ذهابا وايابا بالطائرة وبنفس اليوم، وهذه المدينة التي ستقام فيها المواجهة العربية لها إرث تاريخي كبير، ففيها سقط 1.5 مليون إلماني بين قتيل وجريح في الحرب العالمية الثانية، وخلالها انتهت اسطورة هتلر.

خوفا من تكرار ما حدث من ارهاق واشكاليات في التنقلات للقاء السابق، لذا تحفّظ عدد من الزملاء عن حضور المباراة خصوصا أنه يتلوها مباشرة رحلة العودة إلى الرياض، أما البقية -وهي النسبة الأقل- فكانوا يرغبون لحضور نزال المنتخب السعودية خصوصا أنها فرصة لا تعوض، وأنا معهم.

في الحقيقة حماسي الكبير لحضور جميع مباريات المنتخب جعلني أصحو مبكرا وأكون أول الصاعدين للباص، ولكن وقبيل الإنطلاق أخبرونا بأن الرحلة قد تتأخر، ومن ثم تم إبلاغنا ان الرحلة تأجلت لوقت غير معلوم -وحتى هذه اللحظة لا نعرف السبب- لأعود مجددا إلى غرفتي وأكمل نومي، وقبل العصر نزلت إلى ساحة الفندق لأجد الزملاء يبحثون عن شاشة تنقل لهم مباراة المنتخب مع مصر على اعتبار أن مباراة أصحاب الأرض تقام في نفس التوقيت.

مواجهة للذكرى، ولتسجيل بصمة وداع وحضور ختامي في المونديال، ربما هذه أول مواجهة أشاهدها للمنتخب بتعليق غير عربي ولا حتى إنجليزي، باللغة الروسية، ولهذا بعض الزملاء صعدوا لغرفهم لمشاهدة المباراة أون-لاين.

كانت الموجهة مثيرة ودب فينا الخوف بعد هدف صلاح، والهجمة التي أضاعها والتي قد تنهي المباراة لمصر مستوى ونتيجة، وحتى ضربة الجزاء التي اضعناها، قلت في نفسي الهزيمة الثالثة ونكرر إخفاق 2002، ولكن حكم الساحة يحتسب ضربة جزاء، ليتدخل حكم VAR وسط أجواء صعبة، ليحسم الحكم قراره ويسجل سلمان الفرج أول هدف لنا في كأس العالم 2018.

أما الشوط الثاني فشهد سيطرة سعودية مطلقة من بدايته إلى نهايته، وكلنا في لحظات ترقب لتحقيق الفوز، وسط ضياع هجمات متعددة أخفق المهاجمين في استثمارها وتجلي الحضري في إبعادها، وأثناء ما كان الحكم ممسكا بصافرته مستعدا لإنهاء المباراة يسجل سالم الدوسري هدف الفوز يفجّر الفرحة في الفندق الذي نقطنه، ويبعث البهجة في كافة قلوب السعوديين ويمسح جزء من الإخفاق الذي لازمنا في الإفتتاح.

حمدلله، ختامها فرحة، هذا هو اليوم الأخير استعدادا للعودة لأرض الوطن، و أضخم وفد سعودي في كأس العالم، للحق تُشكر هيئة الرياضة على ماقامت به من تسهيلات ودعم لكافة الإعلاميين والمرافقين، وللحق السعوديين في روسيا أظهروا صورة مشرقة عن بلدهم، وعسكو صورة جميلة عن السعودية، وكانوا بحث جزء أساسي في هذه التظاهرة العالمية التي تتجاوز كونها منافسة على كرة قدم فقط!

آمل أني وفقت في نقل جزء من أجواء هذه المشاركة، وسأرفق لاحقا عدد من الصور التي مازلت أحتفظ بها عن أبرز الأحداث التي ذكرتها في تلك الأجزاء الثلاث.

مذكرات شخصية (2-3): أنا والسعودية وموسكو

WhatsApp Image 2018-07-09 at 9.13.00 PM

صباح اليوم التالي، ابلغونا بلقاء معالي المستشار في مقر إقامته، ولكوني لم التق به من قبل، لذا حرصت ان أتجهز مبكراً واستعد جيداً، وأنا على أهبة الاستعداد.. “لم أجد الكرافتة” لذا وعلى عجلة من أمري وجدت “الثوب والشماغ” لذا قررت أن أتسلّح بالهوية “السعودية”.

بصراحة، تفاجأت بالحضور الكبير لهذا اللقاء، والذي قارب من حاجز الـ350 شخص، ومن جانب آخر استغربت لشدة ذكاء “تركي آل شيخ” في الحديث، وسرعته في الإجابة زالرد على الاستفسارات، وحفظه لعدد كبير من الزملاء الموجودين بأسماءهم!

رجعنا بعد ذلك لمقر إقامتنا والذي يقطنه أيضا الجمهور الأرجنتيني، وتعجبت وأنا أشاهدهم يُغنون ويهتفون “كبار ونساء وأطفال” وهم للتو قادمون من مبارة هزيلة جدا أمام “أيسلندا” الضعيفة، بل وأضاع نجمهم “ميسي” ضرة جزاء، وفي اعتقادي -وأنا أتابع المشهد الذي أمامي- أن نظرتهم لكرة القدم مختلفة، فنحن ننظر أن الرياضة فوز وخسارة وهم ينظرونها ترفية ومتعة، وهنا الفرق!

في اليوم التالي اتفقت مع عدد من الزملاء على زيارة منطقة المشجعين Fan Fest عبر ميترو موسكو، والذي أسرني حقيقة بجماله وبغرابته وممراته العميقة التي بعمق يصل إلى 100 متر تحت الأرض، وعلمت فيما بعد أن بعض المحطات افتتحت منذ قرابة 85 عاما! ومما زاد بجماله هو أهازيج الجماهير وأغانيهم والتي أضافت لهذا الأمر متعة أخرى.

ونحن في عربات الميترو متوجهين إلى المكان المطلوب، كنا نترقب وبانتباه بالغ أسماء المحطات باللغة الروسية مع كل توقف! قمنا بحفظ شكل محارف المحطة المطلوبة بشكل جيد، وأصبحنا نقارنها مع كل جهة نتوقف عندها، وهنا صعوبة كبيرة! لأجد مؤخرا تطبيقا لميترو “موسكو” ساعدني كثيرا في التنقل، ويبدو إن اعتزاز “الروس” الكبير بلغتهم وبهويتهم وبوطنهم جعلهم يعزفون عن استخدام أي لغة أخرى كالإنجليزية.

وصلنا إلى المحطة النهائية، واضطررنا أن نمشي على الأقدام لمنطقة المشجعين، ولمسافة قاربت الثلاثة كيلومترات، وللحق لم نشعر بطول المسافة كوننا نمشي في أجواء فرائحية بين هتافات الآلاف من المشجعين، وفي أجواء جميلة بين الحدائق والمسطحات الخضراء، حتى وصلنا ساحة واسعة تضم شاشات ضخمة، ومتجر رسمي للبطولة، وأماكن ترفيهية، وملاعب لكرة القدم!

بصراحة فيها عشت أجواء كأس العالم الحقيقية، وبالرغم من كون هذا المكان لا يحوي على مطاعم أو مقاهي، إلا أن التواجد بين عشرات الآلاف من المشجعين بمختلف جنسياتهم ولغاتهم وهتافاتهم وحتى ملابسهم الغريبة له متعة عجيبة! وشاهدنا المباراة الثانية والتي مني الألمان هزيمتهم القاسية من المكسيك، ثم عدنا إلى فندقنا مجددا.

كل مساء، يتجمع عدد كبير من الزملاء في بهو الفندق يتجاذبون الحديث حول المونديال وكل ما يتعلق به، وغالبا يبدأ النقاش بهذه المواضيع وينتهي بهم المطاف بالحديث عن كرتنا المحلية والهلال والنصر 🙂 ، ولكن للحق أقول أن السعوديون يملكون ثقافة رياضية عالية جدا، ويتضح ذلك جليا عند مشاركة مشجعين من جنسيات أخرى، لدرجة أنه في إحدى الحوارات مع جماهير من الجنسية الأرجنتينية وفي نقاش عن مستوى منتخبهم، كان الزملاء يتحدثون بمعلومات عن لاعبيهم ، ويناقشون خطة مدربهم مع طريقته السابقة، ويذكرون جوانب متعددة حول مستوياتهم والطريقة التي يلعبون بها.. وهم يتابعونا باستغراب تام!

في صباح اليوم التالي، أبلغونا الزملاء المنظمين عن برنامج السفر لحضور مباراة المنتخب مع الأورغواي في مدينة روستوف والتي تبعد حوالي 1000 كيلومتر عن موسكو، وأكدوا لنا أننا يتطلب أن نستقل طائرة ذهابا وإيابا في نفس اليوم، لذا وعلى الرغم أنه يتوجب علينا النوم مبكرا كون الباص سيتحرك للمطار في تمام الساعة السابعة صباحا ، إلا أنني مثل أغلب الزملاء لم نأخذ كفايتنا من النوم، بل بعضهم لم ينم على الإطلاق!

استغرق وصولنا مطار “فنوكوف” قرابة الساعتين بسبب الزحام، علما أن العاصمة الروسية تضم ثلاث مطارات كبيرة، وبالرغم من حالة الإرهاق التي لازمتنا، والنتيجة المخيبة للآمال في الافتتاح، إلا أن الأهازيج نسمعها ومازال يشدو بها الغالبية قبل صعود الطائرة وحتى داخل مقصورة الطائرة، وحتى بعد وصولنا لمطار روستوف، وتفاجئنا أيضا بترحيب المذيع الداخلي بالجمهور السعودي وبشكل خاص، كما وجدنا على بوابة المطار رقصات شعبية تحتفي بنا وبالمنتخب السعودي.

اتجهنا بعد ذلك بالباص إلى أحد الفنادق المعدّة لاستلام تذاكر المباراة، وبعدها -ولظروف أمنية- طلبوا منا المشي على الأقدام للملعب، وبالرغم من كوننا مُجهدين والجو حار جداً والمسافة طويلة أيضاً، ولكن الأجواء احتفالية الجماهير كانت هي البلسم الذي خفف علينا وطأة التعب.

بعد أن دخلت الملعب الجميل، وجدت للأسف مكاني بين جماهير الأورغواي، وأحدهم -بعد ان شاهدني احمل الوشاح الأخضر- قال لي “ممازحا” لماذا تكبدتم عناء الحضور؟ ستهزمون بالعشرة، بصراحة وأنا أشاهد كافاني وسواريز في المقدمة، ويقابلهم في منتخبنا مدافعين بعضهم بالكاد لعب خمس مباريات أساسية في فريقه، كنت أردد “الله يستر!”.

بدأت المباراة ومنذ الدقائق الأولى ظهر المنتخب بشكل مغاير، وقبل ان ينتصف الشوط الأول ولج مرمانا بهدف لا يعكس مجريات اللقاء، الجميل أن الهدف لم يضعف الطموح بل استمر لعبنا بشكل جميل، لدرجة أن الشخص نفسه -راعي العشرة- قال لي فريقكم قوي! ليس هو الذي لعب مباراة الافتتاح؟

انتهت المباراة وخرجنا من المونديال، ولكن بمستوى مميز، وبمشاعر متباينة سعيد بالمستوى وحزين للنتيجة، وأقول في داخلي “الحمد لله” على كل حال، اتجهنا لأماكن توقف الباصات لينقلنا إحداها من جديد للمطار، والوقت الذي استغرقناه من خروجنا من الملعب وحتى وصولنا للمطار تجاوز الـ ثلاث ساعات، وقد سيطر علينا الإجهاد، وغلبنا النعاس، وسيطر علينا الجوع، بصراحة كانت من أكثر الرحلات تعباً وإجهاداً

وصلنا لمطار روستوف “الأنيق” والذي افتتح قبل بداية المونديال بأيام قليلة، ولكن اضطررنا ننتظر ثلاثة ساعات أخرى كون الطائرة تأخرت، بسبب أعداد الوفد الكبيرة، وربما السبب الحقيقي هو إشكالية في التنسيق، لتقلع طائرتنا قرابة الساعة الثانية فجرا، ونصل بعدها بـ “حمد الله” لمقر إقامتنا في موسكو، وبعد أن دخلنا غُرفنا، غُصنا في حالة من النوم المتواصل الذي استمر لساعات طويلة 🙂

وللحديث بقية..

مذكرات شخصية (1-3): أنا والسعودية وموسكو

unnamed

لا اصنف نفسي بالمهووسين بكرة القدم العالمية، أو متابعة نجومها المشاهير، ولكن حدث واحد يجمع شعوب العالم في مكان واحد، بلغاتهم وعاداتهم وطقوسهم المختلفة، يربطهم اهتمام مشترك واحد، هي فرصة بالتأكيد لن تتكرر إلا كل أربع سنوات.

وتكمن قصتي مع كأس العالم -خلف الشاشات بالطبع- منذ 1990، والتي تأهل فيها منتخبين عربيين الإمارات ومصر، بعد حصولي على بوستر كبير لكوكاكولا -لا أزال احتفظ به حتى الآن- يضم جدولا لجميع المباريات ويحوي أماكن لتسجيل النتائج، وكان مكمن حرصي على مشاهدة المباريات هو فقط لأجل تعبئة النتائج بالجدول أولا بأول!

خلال تلك البطولة كنت اتمنى الفوز للأرجنتين من أجل نجمه مارادونا، ولكن بعد تحقيق الإلمان البطولة أصبح الأخير هو منتخبي المحبوب، وأصبحت اتابع أخباره ونجومه باهتمام كبير، بل حرصت على اقتناء قميصه بتصميمه الجميل والأنيق مطرزا برقم 18 لنجمه كلينزمان، الذي كنت اتابع اسلوبه المميز في تسجيل الأهداف برأسه وبإعجاب شديد.

بطولة 94 والتأهل التاريخي لمنتخبنا السعودي، لا تفارق مخيلتي بكل أحداثها، لذا قرأت وشاهدت تقارير كثيرة عن البطولة، وحفظت أبرز نجومها المشاركين، ونتائج الفرق، ومبارياتهم السابقة، بل دونت كل ما اعرفه عن البطولة في مذكرة من 80 صفحة، وبالرغم من كونها صادفت أوقات اختبارات نهائية، والمباريات تقام في أوقات متأخرة من الليل، لكن ذلك لم يكن عائقا لي على الإطلاق.

تلك الأحدث الجميلة لا تنسى، وبالطبع بسبب مستويات منتخبنا المميزة، انطلاقا من مباراة هولندا والهدف القاتل في اللحظات الأخيرة، وتغلبنا على المغرب الشقيق بتألق الدعيع، ومباراة بلجيكا الماراثونية وهدف العويران، وختاما مع السويد والوداع الجميل بهدف الغشيان، حتى بعد خروج المنتخب كانت هناك مباريات لها بصمة جميلة لا تغيب عن الذاكرة وأبرزها هولندا والبرازيل، أما النهائي للأسف فكان باهتاً ومخيبا للآمال.

توالت البطولات، ففي النسخة التي تلتها بفرنسا 98، أفرطنا بسقف التفاؤل، وخرجنا بنقطة وحيدة من أمام جنوب أفريقيا، بينما 2002 والثمانية الكوارثية أصبحت بصمة إخفاق لا تنسى وخروج مذل!، حتى وصلنا لبطولة 2006 التي كنت متشوقا لحضورها كوني عايشت أحداثها قبل أن تبدأ، وزرت ملعب الـ”أرينا” في ميونخ قبيل الافتتاح، لكن ظروف العمل لم تسمح لي بالسفر.

بطولتي 2010 في جنوب افريقيا و 2014 كون المنتخب السعودي غير مشارك، ولكونها بلدان بعيدة فلم أكن متحمسا لها، ولكن النسخة الحالية 2018 اختلف الوضع لوجود منتخبنا السعودي الذي عاد مجددا لكأس العالم، وحفزني أحد الأصدقاء الأعزاء بمرافقتهم إلى روسيا مع بعثة مميزة ضمت قياديين وإعلاميين وجماهير، إضافة إلى زملاء مميزين على الجانب الإعلامي والشخصي.

بالفعل، وردني اتصال من احد المنظمين يطلب مني الجواز مع صورة شخصية، وبعدها بيومين تصلني رسالة جوال تحوي الـFAN ID تبلغني أن موعد سفري بعد اسبوع، وبالتحديد فجر الأربعاء 27 رمضان، وعلى عجالة رتبت نفسي وانهيت اعمالي الوظيفية، واشتريت وشاحا أخضرا وملابس عليها شعار المنتخب السعودي.

منذ اللحظة التي صعدت فيها الطائرة توشحنا بالأخضر، وصدحنا بالأهازيج الوطني بتواجد كوكبة من نجوم المنتخب السعودي القدامى وإعلاميين مخضرمين وعدد من مشاهير ومؤثري شبكات التواصل الاجتماعي، حقيقة شعور رائع، ومشاعر وطنية جميلة لمستها في الجميع.

في الحقيقة الرحلة ضمت أصدقاء أعزاء وزملاء رائعين لم نشعر بطول الرحلة، وكانت أجواء ممتعة، وكان الزميل الفريان أضاف لها بهجة، حتى دخلنا الأجواء الروسية وحطت الطائرة في مطار موسكو ليستقبلوا طائرتنا وهي تسير في المدرج بتحية خاصة من خلال خراطيم رش المياه.

ولكن بعد نزولنا الطائرة واستلام امتعتنا تفاجأنا وكأن كأس العالم اختفى! فلا شعارات ولا اعلانات الا ملصقات على استحياء هنا وهناك، وأكاد أجزم ان مظاهر الاحتفاء بالمونديال في الرياض يتجاوز موسكو بكثير.

بعدها انتقلنا إلى أحد الفنادق التي تم تجهيزها لأعضاء الوفد المرافق للبعثة، وكان نصيبنا فندق “ألفا” ذو النجمات الأربع، ولكن مستواه أقل من المتوقع ، فالفندق وما يحويه يعود بنا بعجلة الزمان إلى الخلف ويرجع بنا إلى عبق التاريخ، بعدها علمت أن أغلب فنادق موسكو على هذا النحو إلا ما ندر.

لم أخذ قسطا كافيا من النوم لظروف السفر والتنقل، فكان التعب والإرهاق متغلبا علي، لدرجة أني غفوت قليلا أثناء الانتظار لاستلام مفاتيح الغرف.

في اليوم التالي وبعد ان أخذت كفايتي من النوم، كان لزاما علينا الحصول على بطاقة الـFAN ID لنتمكن من الحصول على تذكرة المباراة الافتتاحية لليوم التالي، لذا تجهزنا وانطلقنا إلى مقر ضخم مخصص لذلك، وكان هذا اليوم يوافق 28 رمضان وليلة الختمة في الحرم.

بالمناسبة لم أصم الأيام المتبقية من رمضان، ففضلا عن كوننا في سفر، كان آذان الفجر الساعة الواحدة والنصف ليلا بينما يدخل وقت المغرب الساعة التاسعة والنصف ليلاً، مما يعني أن فترة الصيام تصل إلى 20 ساعة تقريبا!

بعد أن استلمنا البطاقات اتجهنا إلى الساحة الحمراء هي المنطقة الأشهر في وسط موسكو، وكانت الجولة وسط تشديدات أمنية كبيرة، وبعض الأماكن بالقرب من الكرملن تم اغلاقها تماما.

ولكن هذا لم يمنع الجمهور السعودي، بل كان لهم حضورا طاغيا ذلك اليوم، وسط مشاركة معالي المستشار تركي آل شيخ، وكن يعلو ذلك الجو تفاؤل كبير، بل مبالغا فيه، خصوصا بعد ترديد اهزوجة “سرا الليل يابو ثلاثة” والمخاطب بها الفريق الروسي! وهذا الإفراط بالتفاؤل كان محل استياء عدد من الزملاء بل كان نقاشنا هو التخوف بأن يصل ذلك الشعور للاعبي المنتخب.

على أية حال، وبعد ان استيقظت صباحا، كل تفكيري منشغل بمباراة الافتتاح، اترقب هذا الحدث الهام في حياتي، سأحضر افتتاح كأس العالم، بتواجد منتخبنا السعودي، بصراحة شيء يدعو للفخر، من شدة حماسي حضرت مبكرا جدا لذا اعتقد أني ضمن أول 100 مشجع دخل الملعب، وبدون مبالغة صورت كل شيء وكل حدث، وكل تفاعل داخل وخارج الملعب.

قبل المباراة تفاجأنا بأغنيتنا الوطنية “أوه ياسعودي” ليكون لها مفعول السحر على الجماهير السعودية، وزادها جمال أن نصوصها مكتوبة باللغة العربية على شاشات الملعب، وللحق أعجبتني الفكرة في تشجيع الجماهير واتمنى أن يقتبس مثل هذه الأفكار لكرتنا السعودية.

بدأ حفل الافتتاح ونحن نترقب بداية المباراة، وشاهدنا بفخر سمو الأمير محمد بن سلمان في المنصة، كل الفصول اكتملت وتبقى مستوى مشرف للكرة السعودية في مباراة الافتتاح التاريخية.

بصراحة، لن أتحدث عن تفاصيل ما حدث، فالخماسية مؤلمة وقاسية جدا، ولم استطع تحمل مشاهدة المباراة حتى النهاية وخرجت مكرها لأتفاجأ بالنتيجة من خلال تنبيهات الجوال، وانا بين مصدق ومكذّب.

خيّم الحزن والهدوء المطبق عل أغلب الزملاء، واتجهنا مباشرة لمقر الفندق، لأجد بعض الزملاء الإعلاميين في ردهة البهو يتناقشون بصوت عال، وبعضهم بحدة مفرطة، بصراحة فضلت الصعود لغرفتي بهدوء، لدرجة أن هدفي روسيا الرابع والخامس لم اشاهدهما حتى صباح اليوم التالي!

اليوم الذي يليه شاهدنا الجمهور الروسي في شوارع موسكو وهو يعيش فرحة عارمة -ومن حقه طبعا- وإذا علم أنني سعودي زاد من حفاوة الترحيب وأشار بيده بالخمسة، كان ذلك مؤلما واتلقى ذلك وفي قلبي غصّة، ولكن اتصنع الابتسامة على محياي.

لذا اعتقد -بل أجزم- أن الخماسية كانت أفضل تسويق وتحفيز جماهيري لبطولة كأس العالم، حيث أن اليوم الذي سبق الافتتاح واثناء الدردشة مع بعض العاملين “الروس”، ليس لديهم معلومات عن البطولة، بل وصل الحال لبعضهم لا يعلم حتى أن يوم الغد يصادف مواجهة منتخب بلاده!

وللحديث بقية..