مستقبل الإعلام المظلم!

newspaper-room-print-cc

لست سوداويا أو صاحب نظرة متشائمة ولكن يتوجب عليّ عرض الحقيقة كاملة في أن الإعلام الحالي لا يقوده إعلاميون ومستقبل الإعلام بشقّيه التقليدي والإلكتروني ليس بأيديهم! بل هو في قبضة الشركات التقنية!

نعم للأسف هذه الحقيقة، فأضحت تويتر وفيسبوك ويوتيوب وانستقرام وسناب-شات وغيرها من الشركات هي من ترسم مستقبل هذا الإعلام وتصيغ مصيره، وأصبح كعبها عاليا على كافة الجهات الإعلامية التقليدية والإلكترونية وباتت هي من تفرض أسلوبها وطريقتها على تلك الجهات.

هذا الأمر انعكس بظلاله على المحتوى الذي اعتمد على الإثارة من أجل زيادة التفاعل، وعلى السرعة من أجل الأسبقية، وعلى كثافة النشر من أجل زيادة المحتوى، وكل هذا وذاك على حساب المصداقية التي هي أساس العمل الإعلامي.

وبكل أسف المحتوى الذي نراه في واقع الأمر لا ينتمي لأي معايير مهنية، ولا يسير على أي ضوابط إعلامية، بل أشبه بفوضى الكترونية تقمصت دور الإعلام وأصبحت -هذه الفوضى- هي من تقود الرأي العام وتحدد مصيره.

الأدهى من ذلك والأمّر بالنسبة للجهات الإعلامية ليس في كون الشركات الإلكترونية هي من يتحكم بمستقبلهم وحسب، بل أصبحت حتى المكاسب المالية والإيرادات بأيديهم وتحت تصرفهم ولم يتبق للجهات الإعلامية إلا الفتات!

فحتى مواقع الويب التي شكّلت مورداً مهماً في الخمس سنوات الماضية تقلصت كثيراً لتصبح مجرد توثيق ك (رفرنس) على اعتبار أن سلوك الناس تغيّر في متابعة وسائل الإعلام، ليكون التركيز على الشبكات الاجتماعية وما يدور فيها هو جلّ اهتمامهم.

لذا أصبح من الضروري انقاذ ما يمكن انقاذه من استمرار سيطرة الشركات التقنية على الواقع الإعلامي التي أدت إلى ضعف بل افلاس العديد من الجهات الإعلامية وبالتالي المزيد من الفوضى (غير الخلاّقة!)

ففي أمريكا أكبر دولة في العالم اقتصادياً وسياسياً يتم تداول ثلاثة مسارات متوقعة أو حلول مفترضة لتحسين مستقبل الإعلام، أول هذه المسارات هو في أن تُدعم الشركات والجهات الإعلامية من خلال مساعدات حكومية من أجل السيطرة على الإعلام والحفاظ على هويته، والمسار الثاني من خلال اجبار الجهات التقنية والشبكات الاجتماعية بدفع حصة من ايراداتها للجهات الإعلامية نظير تداولها اخبارا ومواد إعلامية وفق ضوابط محددة، أما المسار الثالث يتحدث عن اندماج تلك الجهات الإعلامية مع شركات تقنية.

لا أنكر أن رغبة الدول تتمحور في السيطرة على الإعلام، كي يكون سلاحها القوي في فرض رؤيتها وفق مصالحها، لكن الأمر الأكثر أهمية والذي يجب الوقوف عنده كثيرا هو أن انتقال سلطة الإعلام من المؤسسات الى الأفراد أفقد الإعلام معايير المهنية واصبحت فوضى الشائعات وتداولها بين الناس كحقائق “مسلمة” كابوسا يهدد الكل!