رأيي عن “لغة الأرقام” في مجال “الإعلام”!

أصنف نفسي مغرما بهذه اللغة (لغة الأرقام)، ومعجبًا بكل ما تحويه، واتعامل معها باهتمام بالغ، بكل ما تحويها من تحليل وتفسير وتأويل، وأصنع منها كل ما يمكن من احصائيات ورسوم بيانية، وكان ذلك الأمر منذ فترة مبكرة من حياتي.

وبعد انخراطي في المرحلة الجامعية بكلية الحاسب الآلي، تحول هذا الإعجاب إلى هوس، بل جعلت “الأرقام” -بلا مبالغة- أساسًا لكل مجريات حياتي، ومنطلقات التفكير، واتخاذ القرارات، وتكوين الصداقات، وكل شيء.

وبكل تجرّد، ساعدتني كثيرًا في تنفيذ مشاريعي التقنية، وتأسيس مواقعي الالكترونية التي أفخر واعتزّ بها، ولكي أوضح الأمر، وكيف كان اعتمادي عليها؟ وكيف ساعدتني؟ فمثلا عندما أبدأ بفكرة بناء موقع إلكتروني -على سبيل المثال- أباشر في ترجمة هذه الفكرة وأحولها لأرقام تحمل المستهدفات التي أود تحقيقها وأسعر إلى تنفيذها، وبناء عليها اختار الاستضافة التقنية الملائمة لحجم الزوار المتوقع، ليحقق أرقام للزيارات الإلكترونية، وبالتالي هذه الأرقام أستطيع من خلالها صنع نجاحات من خلال الإعلانات والاشتراكات، وجميعها تسير وفق لغة الأرقام.

مساري الوظيفي تحول شيئا فشيئا من العمل البرمجي والتقني تجاه المجال الإعلامي والتواصلي، وهذا المجال جعلني أنظر للأمور بشكل آخر، وأقرأ الأحداث الإعلامية بشكل تقديري وانطباعي وليس الأمر متعلق بأرقام فقط! حتى وجدت أن تقييم الجوانب الانطباعية جزء لا يتجزأ من قراءة المشهد الإعلامي، فهذه الرؤية التقديرية لا تخضع للأرقام إطلاقا ولا تعيش تحت رحمتها.

مع تزايد انخراطي مع المجتمع الإعلامي، وبرفقة الزملاء المتخصصين والممارسين، وجدت عدد كبير من “الإحصائيات” -حتى وهي تعتمد على لغة الأرقام- هي احصائيات مخادعة أو مظللة كوصف أكثر تلطيفا، وكمثال لأقرّب المعنى أكثر، لو ذكرت أن خبرا إعلاميا شاهده 10 مليون شخص، وهي إحصائية صحيحة لا غبار عليها، بالتأكيد يثير هذا الأمر الإعجاب والانبهار للغالبية، بينما حقيقة هذه الإحصائية هي بسبب أن الخبر يظهر بشكل تلقائي مع روابط وهمية في عدد كبير المواقع الإلكترونية بدون اختيار الزائر وبشكل اجباري، وبالتالي أصبحت بالرغم من كونها صحيحة إلا أنها لا تعبّر عن الوافع ولا لها قيمة.

ما سبق هو مجرد مثال، ويمكن صنع الكثير من الإحصائيات المفصّلة والتي لا تعكس الواقع، ويمكن أن تخلق الإبهار، بشكل يخالف الحقيقة ولا يعطي انطباعا حقيقيا، وبالمقابل هذا ليس معناه أن نتجاهل الإحصائيات والتقارير إطلاقا، ولكن المقصود هو “التوازن”، فلا نبني عليها كل العمل الإعلامي ونجعلها بإطار مغلق محكم تحت سطوة الأرقام، بل نتعامل معها ونستشهد بها ونستفيد منها وندعّم بها انطباعاتنا، فالإعلام هو محاولة إحداث أثر، يقاس بالكيف وليس بالكم.

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

%d مدونون معجبون بهذه: